أردنيات يحاربن الفقر وذل الحاجة والتهميش بالعمل ولو بدراهم قليلة
مواطنات أردنيات قررن أن لا يستسلمن للفقر والعوز بالرغم من محاصرة الظروف
الصعبة لهن من كل زاوية، وحملن شعار السعي والاجتهاد للتغلب على المحن من
خلال العمل في مشغل الخياطة الإنتاجي في حدائق الملكة رانيا العبدالله
التابعة لأمانة عمان الكبرى.
وبغض النظر عن الأسماء والتفاصيل التي تثير الحساسيات في مجتمعاتهن، يوجد
وراء كل سيدة أو فتاة تعمل في المشغل قصة صراع بين اليأس والأمل، ومثابرة
تتسم بها حيوات هؤلاء النسوة ومحاولتهن العيش بكرامة دون الحاجة لطلب العون
من أحد والشعور بالمسؤولية تجاه أنفسهن وأسرهن.
شابة ثلاثينية اختلط صوتها بشيء من الحزن وهي تسرد قصتها مع العمل في المشغل.
تقدمت للعمل قبل أشهر قليلة بعد أن حاصرتها الظروف الصعبة والمتمثلة بمرض
زوجها وخسارته لعمله لتجد نفسها أمام عائلة مكونة من خمسة أطفال وأبيهم
المريض دون دخل إلى جانب الديون المتراكمة عليه.
وبعد أن سمعت عن المشغل من قبل إحدى قريباتها واضطرارها في ذلك الوقت للعمل
كخادمة في المنازل فكرت بالمجيء للمشغل وبدأت بتعلم أساسيات الخياطة ومن ثم
الانتاج المتمثل بخياطة الزي الموحد لعمال النظافة في أمانة عمان مع العلم
أنها حاصلة على شهادة دبلوم.
وحدائق الملكة رانيا هي المركز التنموي الوحيد التابع لأمانة عمان الكبرى
والذي يعمل في تنمية المجتمع المحلي لعمان الشرقية. وقد افتتحت عام 2002
وتحتوي على ثلاثة مراكز هي المركز الصحي ومركز ثقافة الطفل ومركز تنمية
المرأة الذي يضم مشغلا للخياطة الذي ينتج الزي الموحد لعمال النظافة.
وبدأ المشغل باستقطاب السيدات اللواتي يسكن حول الحديقة لتدريبهن على أعمال
الخياطة المختلفة ومراحلها وبعد ذلك الانتقال للمرحلة الإنتاجية والتي تقوم
السيدات خلالها بخياطة البدلات والحصول على أجور الخياطة من أمانة عمان.
إحدى العاملات هي الزوجة الثانية لزوج غير قادر على الإنفاق على أسرتين
وعندها ثلاثة أطفال وقد خصص زوجها لها مبلغ 100 دينار فقط للإنفاق وتدبير
أمور حياتها. هذا المخصص الضحل اضطرها للبحث عن عمل وتحسين أوضاعها وساقها
القدر للعمل في المشغل الإنتاجي.
وبعد مرور أكثر من عام على عملها في المشغل تقول إنها باتت تستطيع تأمين بعض
المستلزمات لمنزلها مثل قطع أثاث ضرورية كانت تنقص منزلها وفي فصل الشتاء
تعمل لتأمين مصاريف توفير مادة الكاز والغاز الذي تقول إنه يكسر ميزانيتها.
الزوج من ناحيته يعتبر الحاجيات الأساسية التي توفرها زوجته الثانية من عملها
هو من الكماليات والرفاهية التي لا لزوم لها، على حد قولها.
وبينهن أيضا شابة عشرينية تصف عملها في المشغل بأنه نافذة لها على الحياة بعد
أن كانت حبيسة المنزل طوال الوقت وتقول إنها كانت "كأي قطعة أثاث موجودة في
البيت" قبل العمل لكن الآن دخل مفهوم العمل والانتاج لحياتها ودخلت بعض
الألفاظ لقاموسها مثل "أنا رايحة على الشغل أو أنا خلصت شغلي".
وزميلة لها فتاة عزباء كان قدرها أن يتركها والداها وحيدة لتعيش عند إخوتها
المتزوجين دون أن تستقر عند أحدهم فهي دائمة الترحال بلا استقلالية مادية أو
شهادة لأنها لم تكمل تعليمها.
تقول إنها عملت في المشغل الإنتاجي قبل فترة وجيزة وهي تسكن في منطقة بعيدة
عن الحديقة وتأتي مشيا على الأقدام لتوفر أجرة المواصلات.
وتضيف أن حياتها تغيرت بعد أول مبلغ بسيط تقاضته وأصبحت قادرة على الانفاق
على نفسها وتقول " أفكر إذا حصلت على مبلغ أكبر أن أساعد أحد إخوتي بمصروف
البيت".
وتقول أخرى إنها بدخلها من المشغل(لا يتجاوز 80 دينارا شهريا للجميع) تساعد
والدها في دفع إيجار المنزل ومصاريف إخوتها الصغار.
وتقول إنه ظهر اختلاف واضح على شخصيتها بعد حصولها على أجرها من عملها في
المشغل الانتاجي من حيث مظهرها الخارجي وحتى ثقتها بنفسها حيث أصبحت واثقة
بنفسها وتتمتع بشخصية قوية.
من جانبها توضح مديرة الحدائق المهندسة نانسي أبو حيانة أن المشغل الانتاجي
انبثقت فكرته من خلال دراسة لأحوال المنطقة المحيطة بالحدائق والأخذ بعين
الاعتبار طبيعة البيئة المحافظة التي تحول أحيانا دون سماح الأهل لابنتهم
بالخروج للعمل بالرغم من الحاجة الملحة لذلك.
وتضيف أن أجواء المشغل مناسبة جدا لطبيعة هذه البيئة، إلى جانب أننا قدمنا
أفكارا عملية لمحاربة الفقر والبطالة.
وإلى جانب الفائدة المادية تؤكد أبو حيانة أن الفتيات يحققن من خلال وجودهن
في المشغل نوعا من التجارب التراكمية التي تصنع خبرة ونضجا يعتبر هاما لبناء
الشخصية.
وقد حددت الحكومة خط الفقر في المملكة بمبلغ 500 دينار كدخل شهري للاسرة
المكونة من اربعة افراد بحسب الاحصائيات الرسمية.
وفي ظل ارتفاع الاسعار والمشتقات النفطية لجأت العديد من السيدات، مثل فتيات
مشغل الأمانة، للعمل وذلك بالالتحاق ببعض المشاغل الانتاجية لتجنب العوز
ولمكافحة الفقر والبطالة وتأمين مصدر دخل شريف لأسرهم
للامانة منقول
المفضلات